كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما علي صلوات الله عليه فيروى أن واحدًا من أصحابه سرق وكان عبدًا أسود فأتي به إلى علي عليه السلام فقال: أسرقت؟ قال: نعم. فقطع يده فانصرف من عند علي رضي الله عنه فلقيه سلمان الفارسي وابن الكواء فقال ابن الكواء: من قطع يدك؟ قال: أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين وختن الرسول وزوج البتول. فقال: قطع يدك وتمدحه. قال: ولم لا أمدحه وقد قطع يدي بحق وخلصني من النار. فسمع سلمان ذلك فأخبر به عليًا رضي الله عنه فدعا الأسود ووضع يده على ساعده وغطاه بمنديل ودعا بدعوات، فسمعنا صوتًا من السماء ارفع الرداء عن اليد فرفعنا الرداء فإذا اليد كما كانت بإذن الله تعالى. وأما سائر الصحابة فعن محمد بن المنذر أنه قال: ركبت البحر فانكسرت السفينة التي كنت فيها فركبت لوحًا من ألواحها فطرحني اللوح في أجمة فيها أسد، فخرج إليّ أسد فقلت: يا أبا الحرث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتقدم ودلني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودعني ورجع. وروى ثابت عن أنس أن أسيد بن حضير ورجلًا آخر من الأنصار خرجًا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذهب من الليل قطع، وكانت ليلة مظلمة وفي يد كل واحد منهما عصاه فأضاءت عصا أحدهما حتى مشيا في ضوئها، فلما افترقا أضاءت لكل واحد منهما عصاه حتى مشى في ضوئها وبلغ منزله. وقيل لخالد بن الوليد إن في عسكرك من يشرب الخمر فركب فرسه ليلًا فطاف في العسكر فرأى رجلًا على فرس ومعه زق من خر فقال: ما هذا؟ فقال: خل. فقال خالد: اللَّهم اجعله خلًا. فذهب الرجل إلى أصحابه وقال: أتيتكم بخمر ما شربت العرب مثلها. فلما فتحوا فإذا هي خل. فقالوا: والله ما جئتنا إلا بخل. فقال: هذه والله دعوة خالد. ومن الوقائع المشهورة أن خالد بن الوليد أكل كفًا من السم على اسم الله وما ضره.
وعن ابن عمر أنه كان في بعض أسفاره فلقي جماعة على طريق خائفين من السبع فطرد السبع عن طريقهم ثم قال: إنما يلسط على ابن آدم ما يخافه ولو أنه لم يخف غير الله لما سلط عليه شيء. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي في غزاة فحال بينه وبين المطلوب قطعة من البحر فدعا باسم الله الأعظم فمشوا على الماء. وفي كتب الصوفية من هذا الباب روايات كثيرة ولاسيما في كتاب تذكرة الأولياء ومن أرادها فليطالعها.
وأما المعقول فهو أن الرب حبيب العبد والعبد حبيب الرب لقوله: {يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54] فإذا بلغ العبد في طاعته مع عجزه إلى حيث يفعل كل ما أمره الله.
فأي بعد في أن يفعل الرب مع غاية قدرته وسعة جوده مرة واحدة ما يريد العبد. وأيضًا لو امتنع إظهار الكرامة فذلك إما لأجل أن الله تعالى ليس أهلًا له فذلك قدح في قدرته، وإما لأن المؤمن ليس أهلًا له وهو بعيد لأن معرفة الله والتوفيق على طاعته أشرف العطايا وأجزلها، وإذا لم يبخل الفياض بالأشرف فلأن لا يبخل بالأدون أولى ومن هنا قالت الحكماء: إن النفس إذا قويت بحسب قوتها العلمية والعملية تصرفت في أجسام العالم السفلي كما تتصرف في جسده. قلت: وذلك أن النفس نور ولا يزال يتزايد نوريته وإشراقه بالمواظبة على العلم والعمل وفيضان الأنوار الإلهية عليه حتى ينبسط ويقوى على إنارة غيره والتصرف فيه، والوصول إلى مثل هذا المقام هو المعني بقول علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية ولكن بقوة ربانية. حجة المنكرين للكرامات أن ظهور الخوارق دليل على النبوة، فلو حصل لغير النبي لبطلت هذه الدلالة. وأجيب بالفرق بين المعجز والكرامة بأن المعجز مقرون بدعوى النبوة والكرامة مقرونة بدعوى الولاية. وأيضًا النبي يدعي المعجزة ويقطع بها. والولي إذا ادعى الكرامة لا يقطع بها، وأيضًا أنه يجب نفي المعارضة عن المعجزة ولا يجب نفيها عن الكرامة. جميع هذا عند من يجوّز للولي دعوى الولاية، وأما من لا يجوّز ذلك من حيث إن النبي مأمور بالإظهار لضرورة الدعوة والولي ليس كذلك ولكن إظهاره يوجب طلب الإشهار والفخر المنهي عنهما، فإنه يفرق بينهما بأن المعجز مسبوق بدعوى النبوة، والكرامة غير مسبوقة بشيء من الدعاوى قالوا: قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله سبحانه: «لن يتقرب إليّ المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم» لكن المتقرب إلى الله بأداء الفرائض لا يحصل له شيء من الكرامات، فالمتقرب إليه بأداء النوافل أولى بأن لا يحصل له ذلك. وأجيب بأن الكلام في المتقرب إليه بأداء الفرائض والنوافل جميعًا. قالوا:
قال تعالى: {وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس} [النحل: 7] فالقول بطيّ الأرض للأولياء طعن في الآية وطعن في محمد صلى الله عليه وسلم حين لم يصل من المدينة إلى مكة إلا في أيام. وأجيب بأن الآية وردت على ما هو المعهود المتعارف وكرامات الأولياء أحوال نادرة فتصير كالمستثناة من ذلك العموم، وإن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يكن قاصرًا عن رتبة بعض الأولياء ولكنه لم يتفق له ذلك، أو لعله اتفق له في غير ذلك السفر قالوا: إذا ادعى الولي على إنسان درهمًا فإن لم يطالبه بالبينة كان تاركًا لقوله: «البينة على المدعي» وإن طالبه كان عبثًا لأن ظهور الكرامة عليه دليل قاطع على أنه لا يكذب ومع الدليل القاطع لا يجوز العمل بالظن.
والجواب مثل ما مر من أن النادر لا يحكم به. قالوا: لو جاز ظهور الكرامة على بعض الأولياء لجاز على كلهم، وإذا كثرت الكرامات انقلب خرق لعادة وفقًا لها. وأجيب بأن المطيعين فيهم قلة لقوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13] والولي فيهم أعز من الكبريت الأحمر، واتفاق الكرامة للولي أيضًا على سبيل الندرة فكيف يصير ما يظهر عليه معتادًا؟! في الفرق بين الكرامات والاستدراج هو أن يعطيه الله كل ما يريده في الدنيا ليزداد غيه وضلاله وقد يسمى مكرًا وكيدًا وضلالًا وإملاء، والفرق أن صاحب الكرامة لا يستأنس بها ولكنه يخاف سوء الخاتمة، وصاحب الاستدراج يسكن إلى ما أوتي ويشتغل به، وإنما كان الاستئناس بالكرامات قاطعًا للطريق لأنه حينئذ اعتقد أنه مستحق لذلك وأن له حقًا على الخالق فيعظم شأنه في عينه ويفتخر بها لا بالمكرم، ولا ريب أن الإعجاب مهلك ولهذا وقع إبليس فيما وقع، والعبد الصالح هو الذي يزداد تذلله وتواضعه بين يدي مولاه بازدياد آثار الكرامة والولاية عليه، قرأ المقرئ في مجلس الأستاذ أبى علي الدقاق {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] فقال: علامة رفع العمل أن لا يبقى منه في نظرك شيء، فإن بقي فهو غير مرفوع. واختلف في أن الولي هل يعرف كونه وليًا؟. قال الأستاذ أبو بكر بن فورك: لا يجوز لأن ذلك يوجب الأمن {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: 62] والأمن ينافي اعتقاد قهارية الله تعالى ويقتضي زوال العبودية الموجب لسخط الله. وكيف يأمن الولي وقد وصف الله عباده المخلصين بقوله: {ويدعوننا رغبًا ورهبًا} [الأنبياء: 90] وأيضًا إن طاعة العباد ومعاصيهم لا تؤثر في محبة الحق وعداوته لأنها محدثة متناهية وصفاته قديمة غير متناهية، والمحدث المتناهي لا يغلب القديم غير المتناهي. فقد يكون العبد في عين المعصية ونصيبه في الأزل هو المحبة وقد يكون في عين الطاعة ونصيبه المبغضية، ولهذا لا يحصل الجزم بكيفية الخاتمة. قيل: من هنا قال سبحانه: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] ولم يقل من عمل حسنة. ومن كانت محبته لا لعلة امتنع أن يصير عدوًّا لعلة المعصية وبالعكس، ومحبة الحق وعداوته من الأسرار التي لا يطلع عليها إلا الله أو من أطلعه عليها الله. وقال الأستاذ أبو علي الدقاق وتلميذه أبو القاسم القشيري: إن للولاية ركنين: أحدهما انقياد للشريعة في الظاهر، والثاني كونه في الباطن مستغرقًا في نور الحقيقة فإذا حصل هذان الأمران وعرف الإنسان ذلك عرف لا محالة كونه وليًا، وعلامته أن يكون فرحه بطاعة الله واستئناسه بذكر الله. قلت: لا ريب أن مداخل الأغلاط في هذا الباب كثيرة، ودون الوصول إلى عالم الربوبية حجب وأستار من نيران وأنوار، فالجزم بالولاية خطر والقضاء بالمحبة عسر والله تعالى أعلم.
قال المفسرون: إن اليهود حين قالت لقريش: سلوا محمدًا عن مسائل ثلاثة عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين فسألوهن قال صلى الله عليه وسلم: «أجيبكم عنها غدًا» ولم يستثن فاحتبس الوحي عنه خمس عشرة ليلة. وقيل: أربعين يومًا ثم نزل قوله: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا} أي لأجل شيء تعزم عليه ليس فيه بيان أنه ماذا {إلا أن يشاء الله} فقال العلماء: إنه لا يمكن أن يكون من تمام قوله: {إني فاعل} إذا يصير المعنى إلا أن يشاء الله أن لا أفعله أي إلا أن تعرض مشيئة الله دون فعله وهذا ليس منهيًا عنه. فالصواب أن يقال: إنه من تمام قوله: {ولا تقولن} ثم إن قدر المراد إلا أن يشاء الله أن تقول إني فاعل ذلك غدًا أي فيما يستقبل من الزمان ولم يرد الغد بعينه. وقوله: {إلا أن يشاء الله} أن تقوله بأن يأذن لك في ذلك الإخبار كان معنى صحيحًا، ولكنه لا يكون موافقًا لسبب النزول. فالمعنى الموافق هو أن يكون قوله هذا في موضع الحال أي لا تقولنه إلا متلبسًا بأن يشاء الله يعني قائلًا إن شاء الله. وهذا نهي تأديب لنبيه صلى الله عليه وسلم لأن الإنسان إذا قال سأفعل الفعل الفلاني غدًا لم يبعد أن يموت قبل مجيء الغد أو يعوقه عن ذلك عائق، فلو لم يقل إن شاء الله صار كاذبًا في هذا الوعد والكذب منهي وجوز في الكشاف أن يكون {إن شاء الله} في معنى كلمة تأبيد كأنه قيل: ولا تقولنه أبدًا. قال أهل السنة: في صحة الاستثناء بل في وجوبه دلالة على أن إرادة الله تعالى غالبة وإرادة العبد مغلوبة ويؤكده أنه إذا قال المديون القادر على أداء الدين: والله لأقضين هذا الدين غدًا ثم قال: إن شاء الله فإذا جاء الغد ولم يقض لم يحنث بالاتفاق، وما ذاك إلا لأن الله ما شاء ذلك الفعل مع أنه أمره باداء الدين، وإنما لم يقع الطلاق في قول الرجل لامرأته: أنت طالبق إن شاء الله، لأن مشيئة الله غير معلومة فيلزم الدور لتوقف العلم بالمشيئة على العلم بوقوع الطلاق وبالعكس. واستدل القائلون بأن المعدوم شيء بقوله: {ولا تقولن لشيء} وذلك أن الشيء الذي سيفعله غدًا معدوم مع أنه سماه شيئًا في الحال. وأجيب بأنه مجاز كقوله: {أعصر خمرًا} [يوسف: 36] {واذكر ربك} أي مشيئة ربك {إذا نسيت} كلمة الاستثناء. ثم تنبهت لها، وللعلماء في مدة النسيان إلى الذكر خلاف، فعن ابن عباس: يستثني ولو بعد سنة ما لم يحنث.
وعن سعيد بن جبير: ولو بعد يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة وهو قول ابن عباس بعينه.
وعن طاوس: هو استثناء ما دام في مجلسه.
وعن عطاء: يستثني على مقدار حلب ناقة غزيرة. وعند عامة الفقهاء لا أثر له في الأحكام ما لم يكن موصولًا. قالوا: إن الآيات الكثيرة دلت على وجوب الوفاء بالعهد والعقد فإذا أتى بالعهد وجب عليه الوفاء بمقتضاه خالفنا هذا الدليل فيما إذا كان الاستثناء متصلًا بناء على أن المستثنى منه مع الاستثناء وأداته كالكلام الواحد، فإذا كان منفصلًا لم يمكن هذا التوجيه فوجب الرجوع إلى أصل الدليل. وقيل: أراد واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت كلمة الاستثناء، وفيه بعث على الاهتمام بها. وقيل: اذكر إذا اعتراك النسيان في بعض الأمور لتذكر المنسي، أو اذكره إذا تركت بعض ما أمرك به ليس لهذين القولين شديد ارتباط بما قيل، وكذا قوله من حمله على أداء الصلاة المنسية عند ذكرها. واختلفوا في المشار إليه بقوله: {لأقرب من هذا} الظاهر عند صاحب الكشاف أن المراد إذا نسيت شيئًا فاذكر ربك، وذكر ربك عند نسيانه أن تقول: عسى ربي أن يهديني لشيء آخر بدل هذا المنسي أقرب منه {رشدًا} وأدنى خيرًا ومنفعة. وقيل: إن ترك قوله: إن شاء الله ليس بحسن وذكره أحسن. فقوله: {هذا} إشارة إلى الترك وأقرب منه ذكر هذه الكلمة، وقيل: إنه إشارة إلى نبأ أصحاب الكهف ومعناه لعل الله يؤتيني من البينات والحجج على أني صادق ما هو أعظم في الدلالة وأقرب رشدًا من نبئهم، وقد فعل ذلك حيث آتاه من قصص الأنبياء والأخبار بالمغيبات ما هو أعظم وأدل. عن قتادة. أن قوله سبحانه: {ولبثوا في كهفهم} حكاية لأهل الكتاب و{قل الله أعلم بما لبثوا} رد عليه ويؤيده قراءة عبد الله {وقالوا لبثوا} والجمهور على أنه بيان لما أجمل في قوله: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددًا} والمراد من قوله: {قل الله أعلم} أن لا تتجاوزوا الحق الذي أخبر الله به ولا تلتفتوا إلى ما سواه من اختلافات أهل الأديان نظيره قوله: {قل ربي أعلم بعدّتهم} بعد قوله: {سبعة وثامنهم كلبهم} قال النحويون: سنين عطف بيان لثلثمائة لأن مميز مائة وأخواتها مجرور مفرد. وقيل: فيه تقديم وتأخير أي لبثوا سنين ثلثمائة. ومن قرأ بالإضافة فعلى وضع الجميع موضع الجميع موضع الواحد في التمييز كما مر في قوله: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطًا أممًا} [الأعراف: 160] قوله: {وازدادوا تسعًا} أي تسع سنين لدلالة لما قبله عليه دون أن يقول ولبثوا ثلثمائة سنة وتسع سنين. فعن الزجاج المراد ثلثمائة بحساب السنين الشمسية وثلثمائة وتسع بالسنين القمرية وهذا شيء تقريبي. وقيل: إنهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قرب أمرهم من الانتباه.
ثم اتفق ما أوجب بقاءهم في النوم بعد ذلك تسع سنين، ثم أكد قوله: {الله أعلم بما لبثوا} بقوله: {له غيب السموات والأرض} أي ليس لغيره ما خفى فيهما من أحوالهما وأحوال سكانهما وهو مختص بذلك. ثم زاد في المبالغة فجاء بما دل على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات. والضمير في قوله: {مالهم} لأهل السموات والأرض. وفيه بيان لكمال قدرته وأن الكل تحت قهره وتسخيره وأنه لا يتولى أمورهم غيره {ولا يشرك في حكمه} وقضائه قبل أصحاب الكهف {أحدًا} منهم ومن قرأ: {لا نشرك} على النهي فهو عطف معطوف على {لا تقولن} والمراد أنه لا يسأل أحدًا عما أخبره الله به من نبأ أصحاب الكهف. واقتصر على بيانه. وقيل: الضمير في مالهم لأصحاب الكهف أي أنه هو الذي حفظهم في ذلك النوم الطويل وتولى أمرهم. وقيل: ليس للمختلفين في مدة لبثهم من دون الله من يتولى أمورهم فكيف يعلمون هذه الواقعة من دون إعلامه؟! وقيل: فيه نوع تهديد لأنهم لما ذكروا في هذا الباب أقوالًا على خلاف قول الله فقد استوجبوا العقاب فبين الله تعالى أنه: {ليس لهم من دونه ولي} يمنع العقاب عنهم. واعلم أن الناس اختلفوا في زمان لبث أصحاب الكهف في مكانهم فقيل: كانوا قبل موسى عليه السلام وأنه ذكرهم في التوراة فلهذا سألت اليهود ما سألوا وقيل: دخلوا الكهف قبل المسيح وأخبروه بخبرهم ثم لبثوا في الوقت الذي بين عيسى ومحمد عليهما السلام. وحكى القفال عن محمد بن إسحق أنهم دخلوا كهفهم بعد عيسى. وقيل: إنهم لم يموتوا ولا يموتون إلى يوم القيامة. وذكر أبو علي بن سينا في باب الزمان من كتاب الشفاء إن أرسطا طاليس الحكيم زعم أنه عرض لقوم من المتألهين حالة شبيهة بحالة أصحاب الكهف ثم قال أبو علي: ويدل التاريخ على أنهم كانوا قبل أصحاب الكهف. وأما المكان فحكى القفال عن محمد بن موسى الخوارزمي المنجم أن الواثق أنفذه إلى ملك الروم ليعرف أحوال أصحاب الكهف، فوجهه مع طائفة إلى ذلك الموضع قال: وإن الرجل الموكل بذلك المقام فزعني من الدخول عليهم، فدخلت فرأيت الشعور على صدورهم فعرفت أنه تمويه واحتيال وأن الناس كانوا قد عالجوا تلك الجثث بالأدوية المجففة الحافظة لأبدان الموتى عن البلى كالصبر وغيره. قلت: حين لم يملأ الخوارزمي رعبًا من الاطلاع عليهم حصل القطع بأنهم ليسوا أصحاب الكهف والرقيم، ولو صح ما حكينا عن معاوية حين غزا الروم حصل ظن غالب بأنهم منهم والله تعالى أعلم. اهـ.